: آخر تحديث

بلاد النهرين بلا نهرين

85
69
62
مواضيع ذات صلة

لقد كان للوفرة المائية في بلاد ما بين النهرين، دجلة والفرات، وروافِدهما الكثيرة، أهمية بالغة في صياغة تاريخها العريق، إذ أن قوة دفعها الفاعلة جعلت أهلَ هذه البلاد أوائلَ الرواد السبّاقين في الإبداع والابتكار والاختراع في مجالات الفلسفة والفكر والعلوم والأدب والفنون، وفي الزراعة والصناعة والاقتصاد، على مدى ألوف السنين.

وقد ارتبطت حياة الملايين من البشر في بلاد ما بين النهرين بالأنهر الكبيرة والصغيرة ارتباطا حيويا لا فكاك عنه، ولم تتأثر بما شهدته البلاد من حروب وغزوات، حتى أصبح من أصعب المستحيلات أن تقوم حياة للعراقيين بلا دجلة، وبلا فرات.

إلا في أيامنا الرديئة هذه التي بلغت فيها الدولة العراقية أرذل عمرها الطويل لتتجرأ عليها جارتاها المسلمتان، وتطعناها في ظهرها، فتَقطعان شرايين الحياة عن أهلها المستضعفين.

فقد كشف تقرير أعدته منظمة المياه الأوروبية عن حقيقة مخيفة تقول إن “العراق سيخسر واردات نهري دجلة والفرات بشكل كامل بحلول عام 2040”.

وذلك لأن تركيا أقامت مشروعا في جنوب شرق الأناضول أطلقت عليه اسم “GAP” يتكون من 22 سدا ضخما، منها 14 على نهر الفرات أهمها سد أتاتورك، و8 على دجلة أهمها سد إليسو الذي مكَّنها من حبس نصف موارد دجلة المائية، وجعلها تحتكر 90 في المئة من مياه نهر الفرات.

وقد لخّص الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل، دوافع الأتراك للتصرف في مياه النهرين بانفرادية أنانية مفرطة، دون أي اعتبار لحقوق الآخرين فيها، فقال إن “مياه دجلة والفرات تركية، ومصادر مياههما تركية، وكما أن آبار النفط تعود ملكيتها للعراق وسوريا ونحن لا نشاركهما في مواردهما النفطية فلا يحق لهما مشاركتنا في مواردنا المائية. إنها مسألة سيادة”.

إلا أن حكومة رئيس الوزراء تركت أوزال عقدت في العام 1987 مع نظام حافظ الأسد اتفاقية منحت سوريا بموجبها 500 متر مكعب في الثانية من نهر الفرات، مقابل وعدٍ من حافظ الأسد بمنع مسلحي حزب العمال الكردستاني من نسف ذلك السد. لكنها رفضت عقدها مع العراق الذي لم يستطع أن يفعل شيئا للرد على هذا العدوان، وذلك بسبب انشغاله بحربه مع إيران، وبحكم حاجته الحيوية الملحة لتركيا كممرٍ لوارداته العسكرية والمدنية، آنذاك.

من جانبها دأبت إيران، منذ عام الغزو الأميركي للعراق في 2003 على إقامة سدود على منابع الأنهار الكبيرة التي تتدفق باتجاه العراق لتسيطر على مياهها، مثل نهر الزاب، وحوّلت مسار الأنهار الصغيرة لتبقى داخل الأراضي الإيرانية، الأمر الذي حرم العراق من حصته المائية، وتسبّب في جفاف الكثير من الأنهار، بينها نهر الواند في خانقين.

ووفقا لتوقعات مؤشر الإجهاد المائي، فإن العام 2025 سيكون عام الجفاف الشديد في عموم العراق، مع جفاف شبه كلّي لنهر الفرات، وتحوّل نهر دجلة إلى مجرى مائي شحيح.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد