: آخر تحديث

تركي السديري «مازال هنا»

15
14
16
مواضيع ذات صلة

عندما نبحث في سير الرجال ونسبر ماضيهم الذي صنع عالمهم نجد أن خير من يشكل الإنسان ويهذب سلوكه «المرض والفقر»، ففي طياتهما يختار الفرد خيارين لا ثالث لهما؛ إما القوة أو الاستسلام، فاختار الراحل تركي السديري -رحمه الله- القوة، كيف لا؟ وهو الذي تلمذ على يد المرض فاستشفى بالقراءة، وعلى يد الفقر فأدرك مفهوم الحاجة، فجاء أنموذجاً قوياً فريداً.

يتفق الكثير على وصفه بالرجل الصلب، وما صلابته إلا انعكاس لما تميز به من صبر وإيمان وقوة إرادة، وما بزوغ نجمه في بيئة نجد وخط سيره التنويري في مطبوعة الرياض التي لا تنتمي إلى تيار بعينه ووفق هوية تنويرية إلا شاهد على ثبات أركانه ووضوح رؤيته.

الحديث عن شخص بحجم الأستاذ تركي السديري يمتد متجاوزاً مساحات مختلفة ومتخذاً أبعاداً متنوعة، نتناول من هذه الأبعاد بعد القوة التي شدنا نحوه، والتي تظهر جلية في شخصيته عبر التوازن القوي بين التنافسية الشريفة التي أسهمت في بناء الحرفية المهنية الرامية إلى تحسين الأداء في ميدان الصحافة من جهة، وبين دعمه أو كما قيل عنه «صاحب فزعة» للآخرين وقت حاجتهم من جهة أخرى، وهم جميعاً في المضمار ذاته، إن هذا الفن لا يتقنه الكثير من القيادات.

ولعل الحس الإعلامي المسؤول هو المحرك الذي يكمن وراء مواقف هذا الرجل، فهذا الحس هداه لأن يستلم صحيفة متواضعة وينتشلها نحو التطور لتكون في الصدارة إعلامياً، وهداه ليفتح الباب للمرأة في العمل الصحفي، وهداه حتى أطلق عليه ملك الصحافة.

إن القوة التي امتلكها الراحل وظفها إعلامياً في صناعة الصحافة ورفع مستوى أداء الصحفيين وصنعت فارقاً في الحراك الإعلامي، هذه القوة منبعها إيمانه العميق بالدور التكاملي للإعلام في بناء الوطن، فساهم بطريقة ما في تعزيز قيمة الصحافة السعودية التي تفردت بين الصحف الأخرى بعدم الخضوع لجهات أو أجندة خارجية، كما صرح مفاخراً بهذه الميزة في لقاء مع الإعلامي عبدالله المديفر منذ أكثر من عشر سنوات.

ترك لنا الأستاذ تركي السديري مدرسة لكل من يبحث عن التفرد والنوعية، فكفاحه لم يكن هيناً، وقلمه ظل يغذي آلاف من المقالات، كان مبادراً لا مقلداً، جازماً لا متردداً كان نسيجاً لوحده.

الدكتورة هند بنت تركي السديري التي حلّت ضيفة كريمة في رحاب الأحساء، وأجابت دعوة نادي الأحساء الأدبي للحديث عن مسيرة الراحل الزاخرة، والتي اختارت عنواناً لكتابها «كان هنا»، نحن في مضمار الصحافة نقول: «مازال هنا»، رحم الله الراحل صاحب الأثر المتعدي والإرث الخالد تركي السديري.

ونقدم أجزل الشكر لصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء الذي رعى الفعالية، ففي حضوره دلالات وضاءة نستشرف بها الميدان وتبتهج لها قلوبنا، والشكر موصول لنادي الأحساء الأدبي الذي يمارس دوره البناء عبر انتقاء شخصيات عظيمة يستسقى منها الدروس، وما لمسة الوفاء والعرفان لتكريم الرجال النبلاء من أهل هذا البلد الطيب إلا هدف يسعى النادي إلى تحقيقه ضمن نخبة من أهداف سامية أخرى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد