: آخر تحديث

البحرين عرين الديمقراطية

11
12
12
مواضيع ذات صلة

ما أجمل أن تتبنى برلمانات العالم دعوة صاحب الجلالة الملك المعظم لبناء نظامٍ سياسي وأمني واقتصادي عالمي، أكثر عدالة وإنصافًا، وتعزيز التعاون التشريعي والتقني، في إقرار اتفاقية دولية لتجريم خطابات الكراهية الدينية والطائفية والعنصرية بجميع صورها، ومنع إساءة استغلال الحريات والمنصات الإعلامية والرقمية في ازدراء الأديان، خاصة وأن هذه الدعوة الملكية السامية تمثلُ غاية إنسانية فطرية، ومطلبًا دوليًا ملحًا، في ظل ما يواجهه العالم من تداعيات الكراهية والعداوة والحروب والصراعات.

ما أجمل أن نصبح عاصمة الديمقراطية، ونجمع المشتغلين بالشأن الديمقراطي من أكثر من 140 دولة حول العالم من المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة الـ146 للاتحاد البرلماني، ونطلعهم عن قرب على مسيرتنا الديمقراطية الشابة والإنجازات التي تحققت خلال فترة لا تزيد على 23 عامًا، ومدى الإصرار على مواصلة تلك المسيرة رغم التحديات، بعزيمة صادقة من قائد المسيرة حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم.

وما أجمل أيضًا أن يكون جلالة الملك المعظم أكثرنا سرورًا وفخرًا برؤية المزيد من ثمار ميثاق العمل الوطني، والمشروع الإصلاحي لجلالته، ووجود المرتكزات الأساسية الراسخة للديمقراطية من دستور ومجالس تشريعية وانتخاب حر مباشر، وكيف خطَّت البحرين نهجها الديمقراطي الأصيل، وليس المستورد، ويستند إلى الخصوصية التاريخية والجغرافية والثقافية، وينجح في احتواء جميع المكونات والتفاعل معها.

ولقد تجسد ذلك بأبهى صورة لدى استقبال جلالة الملك رؤساء المجالس البرلمانية والتشريعية المشاركين في الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي، مؤكدًا جلالته أمامهم أن مملكة البحرين تحرص أشد الحرص على تقديم كل ما يلزم لدعم دور هذا الاتحاد البرلماني العريق ومساعيه البارزة والمتواصلة لتحقيق السلام والتعاون بين شعوب العالم لمشاركة شاملة من أجل الرخاء والاستقرار الإنساني، وإشارة جلالته إلى أنه تابع بكل اهتمام القضايا الرئيسية محل النقاش والبحث في الاجتماع والمرتبطة بتعزيز التعايش السلمي، وتنمية المجتمعات الشاملة والحاضنة لقيم الحرية المنضبطة والعدالة والاعتراف بحقوق الجميع دون تمييز.

لقد اجتمعت صدفة بعدد من النواب الغربيين الذين حضروا هذا الاجتماع، وأثلج صدري ما قالوه عن انطباعاتهم عن البحرين، وأدرك تمامًا أنهم كانوا يتكملون بصدق، ودون تملق، فلا مصلحة لديهم لتملقي أو تملق أي أحد. لقد كانوا متفاجئين لأنه لم يكن لديهم أي فكرة بأن البحرين وصلت إلى هذا المستوى من التطور والتقدم.

هذه ديمقراطيتنا، لم يملها علينا أحد، ولم ولن نمليها على أحد، إنها ديموقراطية الواعين المثقفين وليست ديمقراطية الغوغاء المتطرفين. إنها ديموقراطية تضمن رقابة شعبية على الأداء الحكومي، ومتابعة مستمرة لمختلف المشروعات، بما فيها مشروعات البنية التحتية والإسكان والتعليم والصحة، لكنها في ذات الوقت لا تعطل تلك المشروعات عندما يختلف النواب بين بعضهم البعض، ويكون المواطن هو الضحية.

وفي كل مرة، أتأكد، ويتأكد كل ذي عقل متزن وبصيرة واقعية، أن حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، وسمو ولي العهد رئيس الوزراء الموقر، مؤمنان كل الإيمان بالديموقراطية، وبضرورة توفير كل ما يلزم لزيادة فاعليتها، وتمكين جميع المواطنين من ممارسة حقوقهم الدستورية، والمشاركة في الشأن العام، وتفعيل الطاقات، وصبها جميعا في خدمة تسريع مسارات التنمية الوطنية بجميع أبعادها، والتي تعود على الوطن والمواطن بكل خير.

وليس لدينا ما نقدمه لمن يرون أنفسهم بأنهم حماة الديمقراطيات والحريات وحقوق الإنسان، ويعمون أبصارهم عن رؤية انجازاتنا على أرض الواقع من جهة، وعما آلت إليه حال الدول التي طبقت الوصفات الجاهزة للديمقراطية الغربية من جهة أخرى، ولنا في العراق خير مثال على ذلك، كما أن الحرية المنفلتة من أية ضوابط تقتل الديمقراطية ذاتها، لأنها تفضي إلى المحاصصة، ولنا هنا في لبنان خير مثال على ذلك.

بالمقابل، لدينا الكثير مما نفخر به في مجتمعاتنا العربية، نحب الأسرة الممتدة، نقبل يد آبائنا، ونعتبر من المعيب أن يضع أحدنا أباه أو أمه في دار للعجزة، ونفضل أن يتقدم الشاب لطلب يد الفتاة وليس العكس، نسارع إلى التعرف على جيراننا، ونكره من يخرج من التواليت دون أن يغسل يديه.. فهل يعقل أن نفرض أسلوب عيشنا على غيرها؟ أن نرغمه على أن يحب ما نحب ويكره ما نكره؟

هناك فرع حديث من الطب ينشأ حاليا يسمى «الطب الشخصي»، ويقول على تحليل الخصائص الجسمانية لكل شخص، وإعطائه النصائح الصحية والطبية ومعرفة العلاجات المناسبة له في حال مرضه بشكل أكثر دقة، ولهذا السبب نرى أن شخصين لديهما نفس المرض لا يتفاعلان مع العلاج بالطريقة ذاتها، لأن خصائصهما الجسمانية تختلف باختلاف الخصائص الوراثية والحمض النووي وربما مقدرة البكرياس على توليد الأنسولين.

هذا تمامًا ما يجب أن يدركه دعاة الديموقراطية في الغرب، فالنهج الديموقراطي المطبق في آيسلندا ربما لا يصلح لدولة مثل ليبيا، وحرية المعتقد المطبقة في الدنمارك ربما تفجر المجتمع الأفغاني، كما أن المثلية الجنسية المقبولة، أو المطالب بها لدى شرائح واسعة من المجتمع الدنماركي لا يريدها الشعب الجزائري مثلا.

البحرين جمعت الاتحاد البرلماني الدولي تحت شعار «التعايش السلمي هدف لإحلال السلام وإنهاء الصراعات»، وأود أن أهنئ من اختار هذا الشعار لأمرين اثنين، الأول أن أكثر ما يحتاجه العالم اليوم هو السلام، خاصة مع امتداد ساحة الصراع ليشمل مناطق جغرافية لم نتعود ولم نتوقع أن تصلها، فالصراع اليوم ليس في أفريقيا أو الشرق الأوسط، وإنما في أوروبا ذاتها، وبين دول نووية.

الأمر الثاني هو أن هذا الشعار يجب أن يحفز المشاركين في الاجتماع على التعرف على تجربة البحرين في مجال التعايش السلمي، والتآخي، وقبول الآخر. وربما زار بعض هؤلاء المشاركين سوق المنامة القديم، وشاهدوا بأم عينهم المسجد والكنيس والكنيسة والمعبد في مكان واحد، وكيف أن الجميع عاش ويعيش في هذا المكان بتآخ ومحبة، ولم يسجل أي حادثة اعتداء من طرف على طرف آخر.

أخيرًا، لا بد من تقديم كل الشكر والتقدير لكل من أسهم في تنظيم هذا التجمع البرلماني الديمقراطي، الأكبر من نوعه على مستوى العالم، في البحرين، وأخص بالذكر الأخ والصديق جمال فخرو رئيس اللجنة الوطنية المنظمة لهذا الاجتماع. ولقد نجحت البحرين في التنظيم والاستضافة أيما نجاح، في مبادرة ذكية وشجاعة وصادقة، وقد أقر الجميع، بما فيهم ممثلو دول لا تقع في خانة أصدقاء البحرين، بمكانة البحرين كدولة حضارية متقدمة وملتزمة بالقضايا الإنسانية، ولاعب مهم وحاضر في جميع الملفات على الساحة الإقليمية والدولية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد