: آخر تحديث

جنوح الرقابة النقدية الكويتية

74
72
79
مواضيع ذات صلة

فبعد أن تحولت الأنظار إلى الكويت اقتصادياً وسياسياً، بعد سلسلة فضائح فساد لعل ابرزها قضية غسل أموال الصندوق السيادي الماليزي، التي هي جزء من قضية فساد دولية، لابد من تناول جانب مهم للرقابة النقدية في الكويت.

تخضع السياسة النقدية في الكويت لقيادة محافظ البنك المركزي محمد الهاشل، وهو أحد القياديين، الذين يلامون في ضعف وتواضع الرقابة المالية والنقدية أيضاً الكويتية، بالرغم من تعدد الجهات الرقابية الحكومية.

حافظ محافظ البنك المركزي محمد الهاشل خلال عام 2020، على رؤيته الشخصية وليس المؤسسية بتصدير صناعة الانتقائية في قيادة البنك، وهو وهم كما يبدو أبحر فيه المحافظ شخصيا منذ زمن، لاسيما خلال 2016-2020.

لقد حرص المحافظ الهاشل في وداعية العام المنصرم بالإعلان عن "تطبيق آلية متطورة لاختبارات الضغط على الجهاز المصرفي الكويتي وفقا لأفضل الممارسات العالمية، بهدف تعزيز كفاءة اختبارات الضغط في سبيل ترسيخ الاستقرار النقدي والاستقرار المالي في الكويت".

لاشك إن تطوير آليات العمل والرقابة والنقدية بشتى الاتجاهات مطلوبة اليوم أكثر من الأمس البعيد، وينبغي أن يبادر محافظ المركزي بأن يجمع الشمل في الآليات الحديثة بخصوص اختبارات الضغط مع سياساته وقراراته والعمل ككل في البنك المركزي قبل القطاع المصرفي وحده.

فقد غاب عن بصيرة محافظ البنك المركزي الهاشل، التبرير والتفسير لجنوح البنك المركزي في تعزيز كفاءة قواعد الحوكمة في ذات البنك، في الوقت الذي يولي "المركزي" اهتماماً في تطبيق وتحديد معايير وشروط الحوكمة في البنوك المحلية وتقييمها أيضا.

لم يكن المحافظ الهاشل- فيما أحسب- معنياً ومهتماً في النهوض بقواعد الحوكمة وأهميتها في البنك المركزي، كقدوة مصرفية لباقي المصارف الكويتية والأجنبية، ووفقاً لأفضل المعايير والممارسات العالمية، حفاظاً على سمعة الكويت الاقتصادية والمالية.

فقد تربع البنك المركزي على عرش المركز الرابع محلياً في الحوكمة وليس الأول، بحسب مؤشر ديوان المحاسبة الكويتي للعام 2019-2020 بنسبة 67.3%، بينما قد تكون هناك مصارف كويتية وأجنبية في الكويت حققت نسبة أعلى من البنك المركزي في الحوكمة، وهي معادلة غير مقبولة موضوعاً وشكلاً ومنطقاً.

فكثيرا ما بالغ محافظ البنك المركزي في التعبير المفرط عن خوفه على سمعة الكويت بانتقائية شديدة الهدف والتوقيت بالنسبة لتخفيض وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني لدولة الكويت، من خلال الخطاب الرسمي إلى وزير المالية السابق براك الشيتان، الذي جرى تسريبه إعلامياً، وكسابقة تاريخية لصالح المحافظ وليس الكويت كما بدت الصورة للخطاب والمضمون الانتقائي.

نختلف كثيراً مع نزعات محتملة في الاختيار المتحيز لبعض السياسات والقرارات لمحافظ المركزي، ولكن الاختلاف الأعمق في استمرار محافظ البنك في عدم توضيح الأسباب والدوافع الشخصية التي هيمنت عليه، حين لاذ بالصمت المطبق إزاء بيانات غسل الاموال منذ 2016، والاكتفاء برمي جمرة المسؤولية على وحدة التحريات المالية التابعة لوزير المالية كما هو حال البنك المركزي، من دون الانتفاض في الدفاع عن سمعة الكويت قانونياً ومالياً وسياسياً، كما شاء نفس الشخص أي المحافظ في موضوعات أخرى!

ولعل ما يؤكد هذا الموقف غير المهني وخلوه من الحس الوطني لمحافظ البنك المركزي، ما لجأ اليه من اجترار وتكرار حول نشأة وحدة التحريات قبل وبعد عام 2013 وحصر المسؤولية القانونية لغسل الاموال في وحدة التحريات المالية ضمن مؤتمر محلي حول غسل الاموال، بينما تجاهل الهاشل مسؤوليته السياسية والدستورية، فور تسلمه البيانات وبعدها حول شبهات غسل اموال الصندوق السيادي الماليزي بحسب بلاغات مصرفية دقيقة، وهو ما يحسب عليه وليس له.

طغى الحماس على اشادة محافظ البنك المركزي بدور "جيد وطيب للإعلام المحلي"، بنشر تفاصيل فضيحة غسل اموال الصندوق السيادي الماليزي، بينما التفت المحافظ الهاشل عن مسؤوليته الشخصية والرسمية والقانونية في الذود عن مصلحة الكويت الاقتصادية والسياسية، حيث إن البنك هو المسئول قانوناً عن حسن سير العمل المصرفي والمحافظة على سمعة الكويت الاقتصادية، وهو موقف متناقض ويبعث على الريبة والشك، مما يعزز القناعة في الهيمنة الانتقائية في عمل محافظ المركزي بدلاً من العمل المؤسسي والدستوري والقانوني.

حقيقة لا نبرأ ساحة وحدة التحريات المالية وتقاعسها كما تردد في الاعلام الكويتي في تقديم بلاغ مستوفي الأركان القانونية بالنسبة للصندوق السيادي الماليزي منذ عام 2016 وحتى الانفجار الإعلامي المحلي والدولي في 2020، ولكن هذا لا يعفي محافظ البنك المركزي والحكومة ككل من المسؤولية، وأي تبرير لذلك لا يعدو كونه استغفالاً للرأي العام وتجاوزاً صارخاً للقانون، فبيانات غسل الأموال نامت في ادراج البنك المركزي ووحدة التحريات المالية والحكومة ككل، وهو برهان لا يحتمل التأويل على اخفاق وجنوح رقابي رسمي على مختلف المستويات.

لا يمكن قيام منظومة اقتصادية تنفيذية فاعلة ومؤثرة ضمن الحكومة، إذا أستمر عمل البنك المركزي بهذا الأسلوب والنزعة الانتقائية، فهو الجنوح بعينه، واحد المعوقات الأساسية في تحقيق اصلاح سياسي شامل والتصدي للفساد والمفسدين في كويت القانون والدستور.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي