: آخر تحديث

عام على كورونا! تعددت الأسباب وجُرم الصين وإيشغل واحِدُ

84
82
80
مواضيع ذات صلة

أحيَت إيطاليا قبل أيام، وتحديداً في الثالث عشر من الشهرالجاري، الذكرى الأولى لفاجعة مدينة برغامو، التي فاجأها وأفجعها فايروس كورونا في مثل هذا التأريخ من العام الماضي، لدرجة أن مدافنها لم تعد تستوعب جثث الضحايا، مما إضطر الحكومة الإيطالية الى نقلها للمدن المجاورة في طابور من الشاحنات، في مشهد أرعب العالم وأدمى قلوب الناس بمشارق الأرض ومغاربها، ولن تنساه الذاكرة الإنسانية الى حين. وفي الحقيقة ليس فقط إيطاليا، بل يفترض بكل العالم أن يختار يوم خاص، للتذكير بظهور فايروس كورونا، الذي تحول الى وباء إكتسح العالم، ولإحياء ذكرى ضحاياه الأبرياء، الذين سقطوا بالملايين في جميع أنحاء العالم ولا يزالون، بسبب إستهتار نظام شمولي دكتاتوري إجرامي أدى تكتمه لحِفظ ماء وجهه الكالح، أو ربما تخطيطه قصداً لتحقيق مكاسب إقتصادية بضرب منافسيه، ليس فقط بظهور الفايروس بل وبإنتشاره في كل العالم، ورغم ذلك ﻻ يزال يرفض الإعتراف بخطأه والإعتذار عن جريمته، بدليل عدم تعاونه مع خبراء منظمة الصحة العالمية، الذين زاروا الصين قبل أشهر للبحث عن أسباب ظهور الفايروس وتفشيه، مما يؤكد تورطه في الأمر، وهو ما يستدعي التحرك دولياً بشكل منفرد للبحث عن هذا الأمر أينما كان، وللكشف عن من تسبب بذلك لمحاسبته كائناً من كان، كي يصبح عبرة لغيره ممن يفكر أن يتلاعب بحياة البشر ومصائرهم. 

وكنموذج على هذا التحرك الدولي، يعكف مجموعة محامين أوروبيين وألمان منذ أشهر على جمع المعلومات والتحضير لرفع دعوى قضائية ضد الإدارة المحلية وبعض المرافق السياحية في مدينة إيشغل الواقعة بوﻻية تيرول بجبال الألب النمساوية التي تم التأكد من أنها كانت بؤرة تفشي الفايروس بعموم أوروبا، لأنهم تكتموا على وجود إصابات بين العاملين لديهم رغم علمهم بذلك لأسباب إقتصادية، وهو ما وُصِف بأنه إهمال مُتعمد تسَبّب بإصابة العديد من السياح بالفايروس وإنتشاره في بلدانهم بعد عودتهم اليها. وهذا طبعاً هو الإجراء المنطقي السليم الذي ينبغي إتخاذه تجاه إدارة المدينة لأنها المسؤولة عن تفشي الفايروس وموت الناس بعموم أوروبا، وهو نفس الإجراء الذي ينبغي إتخاذه تجاه الحكومة الصينية، التي تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية أكبر من إدارة مدينة إيشغل، لأن تكتمها على ظهور الفايروس وتأخرها بالإعلان عنه تسبب بإنتشاره وتفشيه بكل أنحاء العالم، وهو أمر ممكن لكنه يحتاج الى فريق محامين يتبنى الموضوع، ويجمع معلومات عنه، ويبحث في تفاصيله القانونية، لرفع مثل هذه الدعوى القضائية تجاه الحكومة الصينية ومحاسبتها، لأنها إنتهكت معاهدة الرعاية الصحية الدولية بإخفائها معلومات مهمة تتعلق بالمرض، ومن ثم مطالبتها بالإعتذار وتعويض ضحاياه وأهاليهم، الذين باتوا بالملايين في كل العالم، عن الضرر الذي أصابهم، وعن فقدانهم لأحبتهم.

هنا يبقى السؤال المطروح هو: هل ستكون القضية التي رُفِعت في النمسا والمانيا ضد بلدية إيشغل نمودجاً يُمَهِّد لقضية أكبر يتم التحضير لها ضد الصين، أو قد يتم التحضير لها من قبل الاتحاد الأوروبي ضد الصين مستقبلاً بعد أن يتجاوز هذه الازمة ويقف على رجليه مجدداً ليواجهها بِشَر أعمالها؟ أم يُراد من إيشغل أن تكون كبش فداء يتم تحميله مسؤولية ما حدث لأوروبا فقط دون التحرش بالتنين الصيني، كون أوروبا قد لا يكون لها قِبَل بمواجهته لا اليوم وهي بعِز ازمتها، ولا غداً بعد أن تخرج مُنهكة منها، من باب إبعد عن الشَر وغني له؟ وهو ما سنعرف إجابته خلال الفترة القادمة، خصوصاً أن أول دعوة بهذا الإتجاه قد جائت من بريطانيا، التي طالبت مؤسسة بحثية فيها بمقاضاة الصين عما تسببت به لها من خسائر بشرية ومادية، تلتها دعوات مماثلة من فرنسا ثم الولايات المتحدة، بل وحتى ألمانيا لكن بنبرة أخف، والتي قد تتبعها دعوات ممائلة في دول أوروبية أخرى مستقبلاً.

فقبل أن ينتهي عام كورونا 2020، طالبت جمعية هنري جاكسن في بريطانيا الصين بتعويضات بمليارات الدولارات بسبب ما إعتبرته تعتيمها وإخفائها المتعمد لحقيقة إنتشار الفايروس وخطورته، وهو ما تسبب بخسائر أقتصادية فادحة و وفيات كبيرة! فقد إضطرت أغلب دول أوروبا الى صرف مبالغ طائلة لأجل دعم أقتصادها، بعد تعطيلها للأعمال وطلبها من مواطنيها البقاء بمنازلهم للسيطرة على أنتشاره. ووضعت الجمعية جُملة خطوط أولية يمكن إعتمادها كأساس لدعوى تهدف لمقاضاة الصين دولياً. أولها خرقها لبنود "إتفاقية منظمة الصحة العالمية" التي يفترض أن حكومة الصين قد زادت منها بعد إخفاءها لأنتشار فايروس سارس عام2002 و2003، وفشلت بتطبيقها بعد أنتشار فايروس كورونا. ثانياً أبلاغها للمنظمة وللعالم بأن الفايروس لن يغادر أراضيها، وهو ما لم يحدث بل حدث العكس! ثالثاً مُماطلتها بالكشف عن البيانات التي كانت ستعطي أدلة عن إنتقال العدوى من شخص لآخر لمدة قاربت الشهر، في خرق واضح للوائح منظمة الصحة العالمية، التي تتحمل بدورها جزء مِن المسؤولية بإعتمادها هذه البيانات، وتجاهلها بيانات مخالفة زوّدتها بها تايوان تؤكد أن الفايروس ينتقل من شخص لآخر! رابعاً تزويد المنظمة بمعلومات خطأ حول عدد الإصابات بين نهاية ديسمبر2019 ومنتصف يناير2020! خامساً فشلها بمنع نواقل العدوى الفايروسية الحيوانية التي يمكن تجنبها، وسماحها بدلاً من ذلك بإنتشار الأنواع المضيفة الفايروسية الخطيرة للإستهلاك البشري! سادساً سماحها لـ5 ملايين شخص، أي ما يعادل تقريباً عدد سكان مدينة برلين، بمغادرة ووهان قبل فرض الإغلاق في23  يناير2020، على الرغم من معرفتها بإمكانية إنتقال الفايروس من شخص لآخر! جدير بالذكر أنه بتأريخ31.12.2019 و14.01.2020 خرجت علينا منظمه الصحه العالمية إستناداً على معلومات مضللة من الحكومة الصينية، لم يتم التأكد منها ميدانياً، بتصريح مفاده أن فايروس كورونا لا ينتقل من شخص مصاب لآخر سليم! ترَتّب عليه إطمئنان باقي دول العالم التي وثقت بكلام المنظمة الذي إعتمد هذه المعلومات وعدم إيقاف حركه المواصلات البرية والجويه والبحريه مع الصين، التي إستمر المقيمون فيها بالسفر للخارج، وساهموا بتفشي المرض وتحوله الى وباء، تسبب ولا يزال بموت آلاف الأرواح البريئة، وقطع أرزاق الملايين، وخسارة مليارات الدولارات شهرياً في جميع أنحاء العالم، لا لشيء سوى أن السلطات الصينيه أرادت أن تُعَتم على الموضوع لتُحافظ على صورة التنين العملاق، بدل الإعتراف بالحقيقة والخطأ، ومحاولة تدارك الموضوع بصراحة وشفافية.

إن اتخاذ أي إجراء ضد الصين يتطلب شجاعة وتضامن عالمي، يبدأ بتجميع سلسلة خيوط وإجراءات قانونية، يليه حساب تكلفة الأضرار الفادحة التي لحِقت بالاقتصادات العالمية، ومطالبة الحكومة الصينية بتعويضها عنها. ويمكن أن يتم التحرك بشكل أولي ضمن إطار منظمة الصحة العالمية لتقديم هذه الدعوى، ولو أن الأخيرة بدأت تفقد مصداقيتها شيئاً فشيئاً خلال أزمة كورونا، التي عَرّت ترَهّل بنيتها وعلاقتها المُريبة بالحكومة الصينية وتواطؤها معها، ما أدى بالنهاية الى فشلها بحماية العالم من وباء أودى بحياة وأضَر بصحة الملايين من سكانه، ولكن من باب رفع العتب، ومحاولة البدء بإصلاح هذه المنظمة وإعادة هيكلتها على أسس سليمة. وفي حال فشل المجتمع الدولي في ذلك يمكن أن تشمل الخيارات الأخرى اللجوء لمحكمة العدل الدولية، كما يمكن أن تكون المحاكم المحلية سُبلاً ممكنة، خصوصاً بحال مطالبة أهالي ضحايا الفايروس، أو حتى المتعافين الذين ترك بأجسامهم أضرار لا يمكن علاجها، بتعويضات عما أصابهم نتيجة أخطاء وأكاذيب الحكومة الصينية المتكررة منذ بداية وباء فايروس كورونا، والتي كان لها نتائج مميتة.

قد يكون سبب التعتيم على الأمر في الصين هو التهَرّب من المُساءلة، لأن المرض ظهر فيها، كما أن الأنظمة الشمولية الدكتاتورية تعاني مِن عُقَد نقص، لذا تحاول أن تبدو دائماً بصورة القوي وبمَظهر المُسيطر على الأمور، وليس بعيداً أن تكون قد قامت بذلك عن قصد لإرباك منافسيها من الدول الصناعية الكبرى، وتحديداً أوروبا وأمريكا، وإنهاكهم بشرياً وإضعافهم إقتصادياً، ولتشويه صورتهم عالمياً حينما يُباغتهم المرض وتعجز أنظمتهم السياسية والصحية في التعامل معه بسرعة بسبب طبيعة أنظمتها السياسية الديمقراطية، وأنظمتها الإدارية البيروقراطية، ومجتمعاتها المُرفّهة المعتادة على الحرية، والتي يصعب تدجينها والسيطرة عليها وتقييد حركتها بالحَجر كما تفعل الصين بكل سهولة مع شعبها. ربما هناك أسباب أخرى ستكشفها الأيام وتظهر مستقبلاً. أما في مدينة ايشغل فقد يكون سبب التكتم على الأمر هو الأهمال والجشع، الذي دفع أصحاب بعض المرافق السياحة الى الإستمرار بممارسة نشاطهم، وعدم إغلاقها وتبليغ السياح حينما تأكدت لهم إصابة بعض العاملين لديهم بالمرض، بل إنهم ماطلوا الحكومة التي بدورها تراخت معهم، ليكسبوا بعض الوقت والمال، خصوصاً بعدما تكشفت العلاقة الشخصية التي تربط إحدى أكبر العوائل الغنية وصاحبة أكبر الإستثمارات في إيشغل بسياسيين كبار في الحكومة النمساوية. لكن مهما تعددت الأسباب التي دفعت ساسة الصين أو المستثمرين في إيشغل للقيام بفعلتهم الشنيعة هذه، فبالنهاية النتيجة كانت واحدة وجُرمهم واحد، لأنه تسبب بخسائر بشرية وإقتصادية فادحة، وإذا كان بالإمكان تعويض الخسائر الإقتصادية، فالخسائر البشرية لا تُعَوّض، ويجب أن ينال من تسبب بضياعها جزاءه العادل، سواء كان صاحب مطعم في مدينة إيشغل أو رئيس جمهورية الصين.
[email protected]
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في