: آخر تحديث

الانتقال من التلمذة والاستلهام إلى الحوار والمساءلة..

55
77
64
مواضيع ذات صلة

الحربان العالميتان وما بينهما من مسافة زمنية بسيطة وقصيرة كانت درسًا هائلا موجعًا، أسهم في عقلنة وترشيد كثير من الطيش الإنساني، وقاد إلى شيء من تقويم سلوك البشر، في ظلّ اندفاع بشريّ كان مشغولا بوسائل الحرب، والدمار، سواء أكان ذلك في أدوات وآليات القتل المباشر أم في إنتاج أفكار وتنظيرات ونظريّات تبيح تلك الانتهاكات الفضيعة، وتباركها، وتضفي عليها شيئا أو كثيرا من المشروعية..

الطرف الإسلامي لم يسهم ولم يحضر بشكل مؤثر في تلك الحربين، وبالذات في الحرب العالمية الثانية، التي تهشَّمتْ فيها وقبلها الإمبراطورية العثمانية، وتمزَّقتْ بعد أن ارتمت في أحضان الطرف الخاسر (دول المحور) في الحرب العالمية الأولى، وتلك حماقة وغباء سياسي يساعد في تفسيرهما اصطحاب حاضر الدولة التركية، وما تحاول استعادته -هذه الأيام- من أمجاد غابرة!

الطرف أو الشِّقّ العربي كان أكثر انكماشًا، وكان أعجز من أن يسجِّل حضورًا في تلك الحروب العالمية، وما تتطلبه من قوة فكرية، وعسكرية... وما أتلمّسه -في هذه المقالة- يتمثّل في رصد جوانب فكريّة عاصرت تلك الحربين وعاشتها وعايشتها فكرًا ونظرًا وتنظيرًا وتعاطيًا، وتلتها وتأثرت بها سلبًا وإيجابًا..

في تلك الفترة -أعني فترة ما بين الحربين وما جلبته من آثار- ظهر لنا جيلٌ تشبَّع بالثقافة الأوربية، أو تماهى معها، ويمثِّله في أوضح صوره طه حسين، الذي دعا للاقتداء بالغرب في كل شيء؛ لكنّ جيلًا جديدًا تلا ذلك الجيلَ وتشبَّع – كسابقه - بقيم الثقافة الغربية، واحتفظ لنفسه بالقدرة على بناء مسافة نقدية ضرورية من ثقافة الغرب؛ منتقلًا من التلمذة على تلك الثقافة واستلهامها إلى حوارها ومساءلتها من الداخل، وهذا جيل يمثله – ببراعة - إدوارد سعيد؛ عبر حضور فاعل كثيف، يمثل رأسَ حربتِه كتابُه الاستشراق.

الشعب الخليجي - مع شيء من التعميم - كان أقلّ معايشة لتلك الحروب، وأقل تأثرًا وتفاعلًا معها ومع الأفكار التي أحاطت بها، وبقي حينًا من الدهر يأخذ من الفكر المصري، ويعتبره قنطرة يصل من خلالها إلى الفكر الغربي ومحاضنه؛ حتى انكمش ذلك الفكر المصريُّ، وتقدَّم عليه المغرب العربي، الأشد ملاصقة جغرافية للغرب... وبالجملة يبقى خليجنا ومملكتنا تسجّل أرقامًا لافتة في سبيل النهوض والتقدم الأممي، ونبقى ننتظر حضورًا خليجيًّا كثيفًا، ينافس ذلك الحضورَ المصريَّ الماضيَ، ويتقاطع مع فكر دول المغرب العربي المعاصر..

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي