: آخر تحديث
شخصيات تاريخية... الحلقة 20

منارات: خميس بن رمثان... أسطورة الصحراء

65
62
81
مواضيع ذات صلة

في هذه الصفحات نفحات من سير شخصيات كانت منارات مضيئة، وسطعت نجومًا في سماء بلادها والعالم. شخصية اليوم:

خميس بن رمثان
أسطورة الصحراء
الدليل السعودي الذي ساعد في اكتشاف النفط


تميز العرب بنوع من الفراسة أكسبَتْهم إياه طبيعة المكان، وقسوة الصحراء خالية المعالم والحياة!

يَحكي أجدادنا عن رجال ذوي قدرات خارقة كانوا يعرفون تفاصيل في الطبيعة لا تخطر على بال أكبر العلماء حاملي الأجهزة.. كان بعضهم يعرف مسالك الصحراء ومواضعها ومنابعها وواحاتها معرفة

تستعصي على أحدث الخرائط، وكان بعضهم يعرف مواقع الماء بوضع أذنه على الأرض، وبعضهم يعرف نوع الدابة من طريقة أكلها العشب، وبعضهم يعرف مرضها من شكل خطوتها، وبعضهم يعرف من أي البلاد جاءت من فحص بعض بقاياها.

ما زال أبناؤهم بيننا يتوارثون قدراتهم، ومن أبرزهم رجل أبيّ عربيّ اسمه خميس بن رمثان العجمي، المولود في مدينة الأحساء، وقد اشتهر بمعرفته التامة بالصحراء ومسالكها وكل شبر فيها شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا معتمدًا على قوة ذاكرته، وحدة ذكائه، وتجاربه الطويلة.

قال عنه الجيولوجي توماس بارغر في كتابه تحت القبة الزرقاء «Out in the Blue»:

«في الصحراء لا يتوه خميس أبدا؛ لأنه بالإضافة إلى حاسته السادسة -وهي نوع من البوصلة الدفينة التي لا تخطئ- كان لديه ذاكرة مدهشة تمكنه من تذكر (دغلة) كان قد مر بها وهو شاب، أو اتجاه موقع بئر سمع عنه قبل عشر سنوات».

لقد كانت العلاقة بين ابن رمثان والأرض علاقة عشق، علاقة محبوبٍ بمحبوبته؛ فهو لا يبخل عليها بالحب، لا هي تبخل على عاشقها بكشف غامض أسرارها.

خميس لم يكن عابر صحراء فحسب، بل كان يهيم بالصحراء وبتربتها وباختلافاتها، لا تتشابه عليه الصحارى كما تفعل مع الكثيرين، ولا تتيه عنه الأماكن بتقادم الزمن، وتغير الأحوال.

علاقة خميس بالأرض علاقة البدوي بوطنه.. التربة هي تاريخه وماضيه وحاضره، كل الصحراء بيته، وكل الفيافي أهله ووطنه وناسه.

وكذلك الأرض لقد أعطت خميس ما لم تعطيه لغيره، وكشفت عن زينتها له ما لم تكشفه لغيره، لقد كان خميس يعرف كل شبرٍ منها.

 برع ابن رمثان في معرفة الأرض كثيرا، مما جعل الحكومة السعودية تستعين به ليكون ملازمًا لأعمال التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية، وبعد أن امتدت أعمال التنقيب عن النفط في تلك المنطقة، ويئست الشركة الأمريكية من الوصول إلى نتيجة لأعمال الحفر والتنقيب، وبسبب ارتفاع تكلفة التنقيب فقد الأمريكان ثقتهم بالوصول إلى نتيجة،

ولكن ابن رمثان لم يفقد إيمانه بوطنه وصحرائه، لقد قاتل على مواصلة الحفر في منطقة تكاد تكون جولوجيّا معدومة الأمل في الحصول على قطرة زيتٍ واحدة، ولكن ذلك لم يَثْنِ عزم ابن رمثان،  لقد أصر على مواصلة البحث والتنقيب رغم اعتراض الفريق الأمريكي اليائس، وبينما هم كذلك وابن رمثان يجلس على تل رملي وينظر إلى الأرض يعاتب صحراءه إذ بالبئر رقم 7 في الدمام تتفجر ويتدفق منها نهرٌ عظيم من النفط في مارس من العام 1938م

بعد عامين مرهقين من البحث والتنقيب.

لقد استمر ابن رمثان في العمل مع أرامكو، وعُيِّنَ رسميًّا دليلًا مع فريق البحث عن التنقيب، وذاع صيته، وأصبح الباحثون الأمريكيون يثقون كثيرًا برأيه وحنكته، وأصبحت فراسته مثل المعادلات الرياضية التي لا يمكن أن تخطئ أبدا.

ومن حقلٍ لآخر، ومن بئرٍ لآخر، ذهب ابن رمثان في اكتشاف كنوز الأرض، واستخراج خيراتها؛ لتعم بنفعها العباد والبلاد.

وفي عام 1974م أطلقت شركة أرامكو اسم «رمثان» على أحد الحقول تقديرًا له، وتخليدًا لجهوده الكبيرة، وما زال اسم خميس بن رمثان محفورًا في ذاكرة تاريخ الوطن والشعب، وستظل ذكراه تتعاقب على الأجيال ضاربة أروع الأمثلة في صدق المحبة، وجزالة العطاء.

 

قفلة:

هي الصحراءُ تصنعُنا رجالاً
تلينُ لنا الحياةُ ولا نلينُ

لنا مِن رملِها الذهبيِّ نخلٌ
بهِ نحيا وزيتونٌ وتينُ

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي